الجهاز البولي: التركيب، الوظائف، الاضطرابات، والوقاية

مقدمة

يُعد الجهاز البولي من أهم الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان، حيث يلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على توازن الجسم من خلال تنظيم كمية الماء والأملاح، والتخلص من الفضلات السامة الناتجة عن العمليات الحيوية في الجسم، وعلى رأسها الفضلات النيتروجينية. يتألف الجهاز البولي من مجموعة من الأعضاء المتكاملة التي تعمل بتناغم دائم، من أجل تنقية الدم وتصفية المركبات غير المرغوب بها، وضمان إخراج البول بشكل منتظم. يتطلب فهم الجهاز البولي دراسة تفصيلية لكل عضو من أعضائه، والعمليات الفسيولوجية المعقدة التي تحدث داخله، إضافةً إلى فهم الاضطرابات الشائعة التي يمكن أن تصيبه، وسبل الوقاية منها.

التركيب التشريحي للجهاز البولي

يتكوَّن الجهاز البولي عند الإنسان من أربعة مكونات رئيسية هي: الكليتان، الحالبان، المثانة البولية، والإحليل.

الكليتان (Kidneys)

الكليتان هما عضوان لونهما بني محمر، لهما شكل يشبه حبة الفاصولياء، تقعان في التجويف البطني على جانبي العمود الفقري عند مستوى الفقرة القطنية الثانية. يبلغ طول الكلية الواحدة حوالي 10-12 سم، ويبلغ وزنها حوالي 150 غرامًا. تحتوي الكلية على ملايين من الوحدات الوظيفية الدقيقة تُعرف باسم “النيفرونات” (Nephrons)، وهي المسؤولة عن تصفية الدم وتكوين البول.

تتكون الكلية من منطقتين رئيسيتين: القشرة (Cortex) واللب (Medulla). القشرة تحتوي على النيفرونات، بينما يحتوي اللب على الهياكل التي تجمع البول الناتج وتنقله إلى الحوض الكلوي، ثم إلى الحالب.

الحالبان (Ureters)

الحالبان هما أنبوبان عضليان يبلغ طول كل منهما حوالي 25-30 سم، يمتدان من كل كلية إلى المثانة البولية. يقوم الحالب بنقل البول من حوض الكلية إلى المثانة عن طريق حركة تمعجية منتظمة للعضلات الملساء في جداره.

المثانة البولية (Urinary Bladder)

المثانة البولية هي عضو عضلي مجوف يقع في الحوض، وتقوم بتخزين البول مؤقتًا حتى يتم إخراجه. يتراوح حجم المثانة الطبيعي بين 400 إلى 600 مل عند الشخص البالغ. جدار المثانة مبطن بعضلات ملساء تُعرف بعضلة “الدتروسور” (Detrusor muscle)، والتي تنقبض لتفريغ البول عند الحاجة.

الإحليل (Urethra)

الإحليل هو القناة التي يخرج البول من خلالها من المثانة إلى خارج الجسم. يختلف طول الإحليل بين الجنسين؛ فهو أطول عند الذكور (حوالي 20 سم) وأقصر عند الإناث (حوالي 4 سم). هذا الاختلاف في الطول له دلالات سريرية مهمة، مثل زيادة معدل الإصابة بالتهاب المسالك البولية عند النساء بسبب قصر الإحليل وسهولة وصول البكتيريا.

وظائف الجهاز البولي

الجهاز البولي لا يقتصر دوره على إنتاج البول فحسب، بل يمتد ليشمل مجموعة من الوظائف الحيوية المعقدة، منها:

1. تنقية الدم والتخلص من الفضلات

أهم وظيفة للجهاز البولي هي تنقية الدم من الفضلات الناتجة عن الأيض، وعلى رأسها اليوريا، الكرياتينين، وحمض البول. تتم هذه العملية من خلال النيفرونات التي ترشح البلازما وتعيد امتصاص المواد المفيدة، وتطرح الباقي في صورة بول.

2. تنظيم توازن السوائل والأملاح

تلعب الكليتان دورًا بارزًا في تنظيم كمية الماء والأملاح (مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكلور) داخل الجسم. ويتم هذا من خلال آليات إعادة الامتصاص والطرح حسب الحاجة الفيزيولوجية، مما يحافظ على الضغط الاسموزي وتوازن الحجم الدموي.

3. تنظيم الحموضة (pH)

من خلال طرح أو إعادة امتصاص أيونات الهيدروجين والبيكربونات، تسهم الكليتان في تنظيم درجة الحموضة في الدم، والحفاظ عليها ضمن المعدل الطبيعي (7.35–7.45).

4. تنظيم ضغط الدم

تقوم الكلى بإفراز إنزيم “الرينين” (Renin) الذي يدخل في سلسلة من التفاعلات تعرف بنظام الرينين-أنجيوتنسين-ألدوستيرون (RAAS)، والذي يتحكم في انقباض الأوعية الدموية وإفراز الألدوستيرون المسؤول عن امتصاص الصوديوم، مما يؤثر على ضغط الدم.

5. إنتاج الهرمونات

تفرز الكلى مجموعة من الهرمونات، من أبرزها:

• الإريثروبويتين (Erythropoietin): يحفّز نخاع العظم لإنتاج كريات الدم الحمراء.

• الكالسيتريول (Calcitriol): الشكل النشط من فيتامين د، ويساعد في امتصاص الكالسيوم والفوسفات.

آلية تكوين البول

تتكون عملية إنتاج البول عبر ثلاث مراحل رئيسية تحدث في النيفرون:

1. الترشيح (Filtration)

تبدأ العملية في الكبيبة (Glomerulus)، حيث يتم ترشيح الدم القادم من الشريان الكلوي إلى محفظة بومان. يتم خلال هذه المرحلة فصل المواد صغيرة الجزيئات مثل الماء، الجلوكوز، الأملاح، اليوريا، وتبقى البروتينات وكريات الدم خارج المرشح.

2. إعادة الامتصاص (Reabsorption)

يتم في الأنابيب الكلوية إعادة امتصاص المواد المفيدة مثل الجلوكوز، الأحماض الأمينية، والماء إلى الدم مجددًا، حسب حاجة الجسم.

3. الإفراز الأنبوبي (Tubular Secretion)

تُطرح بعض المواد مثل أيونات الهيدروجين، البوتاسيوم، والأدوية إلى الأنابيب من الدم، وتضاف إلى البول النهائي.

أبرز الأمراض والاضطرابات في الجهاز البولي

1. التهابات المسالك البولية (UTI)

من أكثر الاضطرابات شيوعًا، تصيب المثانة غالبًا (التهاب المثانة)، وقد تمتد إلى الحالب والكلى. تشمل الأعراض: حرقة عند التبول، تكرار التبول، وأحيانًا ارتفاع درجة الحرارة. الأسباب غالبًا ما تكون بكتيرية، خصوصًا الإشريكية القولونية (E. coli).

2. الحصى الكلوية (Kidney Stones)

تتكون نتيجة ترسب أملاح الكالسيوم أو حمض اليوريك داخل الكلى. تسبب ألمًا شديدًا في الخاصرة، وقد تؤدي إلى انسداد الحالب. العلاج يشمل زيادة شرب السوائل، الأدوية المدرة للبول، وفي الحالات الصعبة قد تتطلب تدخلًا جراحيًا.

3. الفشل الكلوي

يُصنّف إلى فشل كلوي حاد (مفاجئ) أو مزمن (تدريجي). يؤدي إلى تراكم الفضلات والسوائل في الجسم، وتظهر أعراض مثل التورم، الإرهاق، وضيق التنفس. العلاج قد يشمل غسيل الكلى أو زراعة الكلى في الحالات المتقدمة.

4. سلس البول

هو فقدان القدرة على التحكم في المثانة البولية. يُلاحظ خاصة لدى كبار السن والنساء بعد الولادة. الأسباب متعددة منها عضلية أو عصبية، ويعالج بالأدوية أو التدريب العضلي أو الجراحة.

5. التهاب الكلية

قد يكون ناتجًا عن التهابات بكتيرية أو اضطرابات مناعية (مثل الذئبة الحمراء). يؤدي إلى تغيرات في تركيبة البول مثل وجود دم أو بروتين، وقد يتطور إلى تلف كلوي.

الجدول التالي يوضح الفرق بين بعض الأمراض الشائعة في الجهاز البولي:

الوقاية من أمراض الجهاز البولي

الوقاية تلعب دورًا محوريًا في تقليل خطر الإصابة بأمراض الجهاز البولي، وتشمل:

• شرب كميات كافية من الماء: يساعد على تنظيف الكلى ومنع ترسب الأملاح وتكون الحصى.

• التبول المنتظم وعدم حبس البول: تفريغ المثانة بانتظام يمنع تكاثر البكتيريا.

• النظافة الشخصية: خاصة عند النساء، للحد من العدوى الصاعدة إلى المثانة.

• تجنب تناول كميات زائدة من البروتين الحيواني والأملاح: لأنها تزيد من عبء الكلى وتساهم في تكوين الحصى.

• مراقبة ضغط الدم ومستوى السكر: حيث إن ارتفاعهما المزمن يؤثر على وظائف الكلى.

• تجنب الاستخدام العشوائي للأدوية: خاصة المسكنات والمضادات الحيوية التي قد تضر الكلى.

الجهاز البولي عند الأطفال

للأطفال خصوصيتهم من حيث تركيب ووظيفة الجهاز البولي. يكون الإحليل لديهم أقصر، ما يجعلهم أكثر عرضة للعدوى. وقد يواجه الأطفال مشكلات مثل التبول اللاإرادي، تشوهات خلقية كضيق الحالب، أو ارتجاع البول من المثانة إلى الحالب، وهي حالات تتطلب تشخيصًا دقيقًا مبكرًا.

خلاصة

الجهاز البولي هو منظومة متكاملة تحفظ للإنسان اتزانًا دقيقًا في التوازن الحيوي الداخلي. تتجلى أهميته في تنقية الدم، وإفراز الفضلات، وضبط نسبة الماء والأملاح، والحفاظ على ضغط الدم والوظائف الهرمونية. الأمراض المرتبطة به كثيرة ومتنوعة، بعضها يمكن الوقاية منه بممارسات بسيطة كالإكثار من شرب الماء والمحافظة على النظافة الشخصية، بينما تتطلب أمراض أخرى تدخلًا طبيًا معقدًا كزراعة الكلى. تبقى الوقاية والتشخيص المبكر حجر الأساس في حماية هذا الجهاز الحيوي.

المراجع

1. Guyton and Hall Textbook of Medical Physiology, 14th Edition.

2. National Kidney Foundation (www.kidney.org).